الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه.
* مشكلة الظروف الخاصة وتعظيم الاهتمام بها:
لقد أصبحت الظروف الخاصة اليوم معضلة كبيرة، فهناك مشاكل كثيرة أصبح أكثر الشباب يشكو منها ويشكو، والدعاة يعانون منها كما هو الحال مثلا بالنسبة لـ: الزواج والاستقرار بجميع صوره وأشكاله، العمل، البيت، الأم، الزوجة، الأولاد، الجيران، المدير في العمل، الزملاء، الدراسة، الطلبة، الأساتذة، السفر...، الإصرار على المعاصي، قسوة القلب، الكبت، القهر، والأذى.
مشاكل مختلفة وخطيرة وكثيرة.. هذه المشاكل الشخصية يظل الأخ حبيسها، تقلقه في حركته وسكونه، وتشرد فكره وتفتت عقله، مشاكل كثيرة جدا.
¤ وعلاج هذه المشاكل يتمثل في الأمور الآتية:
أولا/ عدم الإستهانة بالمشاكل أو المبالغة فيها:
فمثلا: إذا طلب منك والدك أن تحلق لحيتك، فحاول جهدك أن تسترضيه في كل ما هو أمر دنيوي، فتخدمه، وتشتري له ما يريد، وتوقره، وتحترمه، وتجاهل موضوع اللحية، فلعل الله يلين قلبه إذا رآك متفانيا في خدمته وبره، وينسى موضوع اللحية.
أما إذا إعتبرتها مشكلة المشاكل، وسألت عنها كل من تعرف ومن لا تعرف من الدعاة، فماذا تريد منهم أن يقولوا لك؟! لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوفير اللحى، فهل يستطيع الداعية أن يصرح لك بحلقها لأن في حياتك أبا لا يريد لك أن تعفيها..؟
فإذا قلت: إنها ضرورة، فإن الضرورة تقدر بقدرها، وهذه ليست بضرورة، ولا وجه فيها للضرورة مطلقا.
إن سبب الغلو في المشاكل فراغ القلب، وطالما وقعت هذه المشكلة في القلب فستقع فيما تهواه حتما.
انظر: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ} [الأعراف:138]
وقع في قلوبهم أنهم يريدون صنما يعبدونه: {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ*إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ*قَالَ أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 138-140].
وبعد كل هذا صنعوا عجلا وعبدوه، لماذا؟ لأنها وقعت في قلوبهم منذ البداية، فساعة أن تقع شهوة لأول مرة في قلبك بهوى فستعود إليها.
قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110].
الشاهد: ينبغي أن تتخلص من المشاكل الصغيرة، ألا تكون كل همك، تجاوز أمرها، مثلا، يقول الأخ للشيخ: إن قلبي قاسٍ.. إلى أن يقسو قلبه، وإنما ينبغي أن تصف المشكلة، ثم تأخذ الحل، تنفذ، تتحرك، ويأتي النصر بإذن الله، اللهم انصرنا على أنفسنا الأمارة بالسوء، يا كريم.
قد تقابل الأخ مشاكل في بداية الإلتزام، وهذه المشاكل لابد منها، قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2-3].
في أول لحظة بُشّر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة بُشر بالإخراج من بلده، قال ورقة: ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو مخرجي هم؟»، قال: نعم ما أتى رجل بمثل ما أتيت به إلا عودي.
ومن تعاليم الشيخ المربي الراهب للغلام في قصة أصحاب الأخدود مع أول بشرى أيضا، قال أي بني: أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن إبتليت فلا تدل علي.
هكذا الأمر دائما، لابد من الإبتلاء.
قيل للإمام الشافعي: أحب إليك أن يٌمكّن الرجل أو يبتلى؟، قال: لا يُمكّن حتى يبتلى.
لابد أن يتقلب الأخ في بداية الإلتزام في أطوار من الإبتلاء، إبتداء من سرقة الحذاء عند دخول المسجد لأول مرة، حتى السجن والضرب والطرد من العمل، وتأخير الزواج، وتعطل المصالح وغير ذلك، فإن صبر وثبت فيها فبها ونعمت، وإلا: {وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].
من البلاء أن يسرق حذاء الأخ من المسجد عند بداية الإلتزام، إثبت فإن هذا إبتلاء.. إختبار من الله عز وجل، فهل يحلف الأخ بالله أنه لن يدخل المسجد مرة أخرى.. أم يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيرا منها؟!
* العلاج الثاني لمسألة المصائب والمشاكل:
أن نأخذ الموقف الشرعي الصحيح، أقول: من الممكن أن يكون ثمن الحذاء قد دخل فيه مال به شبهة حرام، فأراد الله أن يطهره أو أراد الله أن يختبر تواضعه إذا مشى حافيا أو منتعلا حذاء متواضعا، فخذ دائما الموقف الشرعي الصحيح حال وقوع البلاء والمصائب.
قال الله عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]
قد تصاب ببلاء في بداية التزامك، وقد كنت أسأل عن شخص مات، هل مات قبل أن يلتزم، أم حدث ذلك بعد التزامه؟ فقيل لي: التزم فمرض فمات، فقلت، سبحان الله! التزم فمرض، فهل صبر على مرضه أم أنه قد فتن؟ {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج:11]
فقيل لي: لقد كان في عنفوان صحته قبل الإلتزام، كان يتكلم.. يغني ويرقص، وعندما التزم أصيب بالسرطان والعياذ بالله، فقال: أيام كنت مفتونا بقوتي وأفتن النساء كنت صحيحا، وبعد أن التزمت مرضت! هذه الواقعة إذا وقعت في العقل تزلزل أقدام الإيمان، أمَا وقد قيل، فإسمع لما قاله النبي: «إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله إبتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده» وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها».
إذا فقه الإنسان هذا الأمر يقول: الحمد لله! ويشكر الله عندما يفهم ويقول: إلهي وسيدي ومحبوبي، لو قطعتني إرباً إرباً، فأنا لك محب.
نعم... إذا كان فيها درجة عالية، فنحن لا نريد غير ذلك، وإذا كانت فيها مغفرة ذنوب فالحمد لله.
تأمل معي قول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة:155]
إن الله كريم رحيم، لطيف ودود، وهو يقول في كتابه العزيز: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155].
ويقول العلماء: شيء من الخوف.. لماذا؟ قالوا: لو إجتمع خوف الدنيا كله من غير الله، فإنه يهونه ويمحوه اليقين في الله، شيء من الخوف يسير، وكل نعيم دون الجنة حقير، وكل بلاء دون النار عافية.
لذا، إذا إبتليت ينبغي عليك أن تقف الموقف الشرعي الصحيح.
1= لابد من الإبتلاء.
2= يحمد الله على أنه إبتلاء أخف من سواه، وأنه لم يكن في دينه.
3= بسبب ذنوبه ومعاصيه.
4= كان ملازما له قبل التزامه أو كان واردا حصوله، فلا تكن ممن يعبد الله على حرف.
ومعنى مرضه بعد التزامه لا يعني: أنه لم يكن ليمرض إلا إذا التزم، وما كان حذاؤه ليسرق إلا بعد التزامه، ولكن كان ذلك سيحدث ولو لم يذهب إلى المسجد.
* العلاج الثالث لمسألة المصائب والمشاكل:
إستخدام أمضى سلاح وهو الدعاء: الدعاء: سلاح المؤمن ساعة أي بلاء أو أي كرب، أنت إذا أصابك البلاء فماذا تفعل؟ تدعو الله، فيفرج كربك إن شاء سبحانه.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسالك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحا»، قالوا: يا رسول الله، ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟. قال: «أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن»
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر: موقع الربانية.